"عندما يصير الغش فضيلة!"




بقلم  . د : أسامة مدني


كنت وأنا طفل ثم شاب بدولة أجنبية، أتلقى تعليمي الابتدائي ثم الثانوي بمدارس حكومية، ولا أتذكر يوماً أنني شعرت بضغوط تتعلق بالدراسة أو الإمتحانات. كنا نذهب إلى المدرسة صباحاً لنتلقى دروساً وواجبات، ونعود مساءً إلى منازلنا بلا أعباء أو ضغوطات. تبدأ الدراسة بالمدرسة وتنتهي فيها. ندرس بها، ونستذكر دروسنا بها: نلهو ونلعب ونغني ونعزف؛ نصيب ونخطئ ونقف ونتعثر. نتفوق فيكون التكريم والثناء، ونخطىء فيكون الدعم والبناء. هي رحلة تأسيس وتشييد يقف فيها المعلمون والآباء يداً واحدة لا تحيد. 


ثم تأتي الامتحانات، "يوم يُكرم المرء فيها أو يُهان"، فنذهب مدججين بكتبنا وأبحاثنا، فهي بنظام "الكتاب المفتوح "Open Book Exam". نجلس أمام نمط محير من الأسئلة، غير مباشر وغير صريح. نتصفح فصلاً هنا، وفقرةً هناك، بحثاً أعددناه وآخر قرأناه، في محاولة حثيثة، مضنية للوصول إلى الإجابة الصحيحة المُرضية. وفي مراحل متقدمة من الدراسة الثانوية والجامعية، يكون الامتحان بنظام "الذهاب به إلى المنزل"Take Home Exam". فنصطحب الضيف الثقيل إلى منازلنا، ومنازل أصدقائنا، وإلى المكتبات العامة والخاصة، وإلى المراجع والمصادر، في محاولة، بل محاولات يملؤها الشك غالباً، واليقين نادراً، للوصول إلى الإجابات الصحيحة، السليمة. فالامتحانات هنا مراوغة، عصية، تتطلب قدراً هائلاً من البحث والتنقيب، والنجاح فيها مرهون بقدرتنا على ربط أجزاء المنهج ربطاً يقترب أحياناً من حالة الإبداع والتأليف. 


وهنا ينتفي مفهوم الغش برمته. فالدراسة استنباطية غير استقرائية، والامتحانات تفاعلية تعددية، الهدف منها البحث عن المعرفة وليس تلقين المعلومة. فهي وسيلة وليست غاية، فتقل الضغوط والهموم وتنشط المدارك، والقدرة على الربط بلا قيود. فالنجاح هنا يكون بالإستخدام الأمثل للقدرات والأدوات، في التجريب وخلق العلاقات. 


مطلوب تدارك في البنية التعليمية بمدارسنا وجامعاتنا، في الشكل والمضمون، فى المحتوى والتقييم. لقد صار الغش عند الكثير من أبنائنا وسيلة تبررها غاية النجاح والتفوق بديلاً عن التعليم والتعلم، صار مرادفا للتعاون بين الأقران، وليس خيانة للنفس والخلان، صار يغلفه ثقافة التفاخر والتمجيد وليس الخزي والتحقير.


فالغش، الذى هو حلقة من متلازمة الكذب والسرقة وخيانة الأمانة، أصبح يسجل فيه بعض من طلابنا براءات اختراع بلا استهانة. وإذا تركنا هذه الآفة تستشري في المدارس والجامعات فسينتقل نفس هذا السلوك عند التخرج إلى أروقة العمل وفي المؤسسات. فالغش صار فضيلة عند البعض، وليس رذيلة يلفظها الكل. 


فإلى متى يظل الغش يتغلغل في نفوسنا وضمائرنا، فتتآكل قيمنا وأخلاقنا؟ 


فهل حقاً نؤمن جميعاً بأن "منْ غشنا فليس منا"؟


تعليقات

الأكثر مشاهدة

مفتي الديار المصريه ورئيس مبادره انفعهم للناس يطلقان منصه فتاوى اون لاين

الشاب " عمر الزهراني " عريس في مكة المكرمة

انطلاق مبادرة جديدة لتطوير مهارات الشباب في صعيد مصر

المهندس شريف العريان : فوز منتخب مصر للخماسي الحديث بالمركز الأول في جدول ميداليات بطولة العالم للشباب انجاز عالمى غير مسبوق

الاعلامى احمد الطيب : انطلاق برنامج هات ودنك للموسم الثالث

نادي الدمام السعودي يتعاقد مع المدرب الوطني عبدالرحمن الربيعي

هتالتاروت يُحدث ضجة على السوشيال ميديا

بعد تكريم نجوي السحلي خبيره الابراج والتاروت: تكشف عن الابراج الاكثر ثراءا في العام الجديد وتتوقع نجاح مسلسل اسعاد يونس وخروج شيرين من محنه في 7 ايام

"تحت شعار "الإمارات .. جسر عبور المستقبل

مبادرة إعلامية جديده للمجلس الإنمائي العربي للمرأة والأعمال بعنوان "فرسان الإعلام العربي"