"الاحتجاج المغربي بين الواقع الاجتماعي والتعبير الرمزي "






مصطفى يخلف – محام بهيئة أكادير


الاحتجاج في المغرب  لم يعد مجرد حالة ظرفية  ، أو رد فعل لحظي، بل تحول إلى لغة مجتمعية تعكس عمق التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي يعرفها المجتمع المغربي. 

وبتزامن مع تزايد المطالب الاجتماعية والاقتصادية، خرجت فئات واسعة من المواطنين، وخاصة الشباب، بمختلف المدن، للتعبير عن تطلعاتهم في تعليم جيد، صحة عادلة، وعدالة اجتماعية تحفظ الكرامة وتضمن المستقبل.

هذا الحراك الاجتماعي لم يكن اختبارًا للمؤسسات فحسب، بل كان أيضًا امتحانًا حقيقيًا للقيم المغربية المشتركة، ومدى قدرة المجتمع والدولة معًا على إنتاج آليات تواصل فعالة بين الطرفين.

ف ما يميز هذه المرحلة  ، هو أن الاحتجاج المغربي لم يعد حكرًا على الشارع العام، بل امتد إلى فضاءات غير تقليدية، وعلى رأسها الملاعب الرياضية. فـ”التيفو”، ذلك العرض البصري الذي أصبح سمة من سمات جمهور كرة القدم، لم يعد مجرد وسيلة لتشجيع الفريق، بل تحول إلى أداة رمزية قوية لنقل رسائل اجتماعية وسياسية وإنسانية، قد تكون أبلغ أحيانًا من الشعارات المرفوعة في الشوارع.

فمن مدرجات الرجاء والوداد إلى ملاعب أكادير وفاس وطنجة، برزت تيفوات تدين الفساد، تدعو للحرية، وتناصر قضايا وطنية ودولية، في مقدمتها القضية الفلسطينية ، كل ذلك بأسلوب فني راقٍ يتقاطع فيه الفن بالفكرة، واللون بالرسالة، والحماس بالإبداع.

و رغم اختلاف الوسائل بين اللافتة في الشارع والتيفو في المدرج، فإن القاسم المشترك بينهما هو:

التعبير الجماعي المنظم والسلمي،

تفريغ الضغط الاجتماعي والنفسي،

تعزيز الانتماء، سواء للوطن أو للفريق،

المطالبة بالكرامة والمساواة والعدالة،

إن كلا الفضاءين ينتجان رابطة وجدانية قوية، تجعل من الفرد جزءًا من كيان جماعي يتكلم بلغته، ويشعر بقدرته على التأثير، ولو لحظة، في مجريات الواقع.

ولفهم هذه الظاهرة لا بد من استحضار نماذج ميدانية من قبيل 

: "تيفو الحرية للمعتقلين” لجمهور الرجاء ،  والأهازيج التي تنتقد السياسات العمومية في الملاعب، 

و شعارات مسيرات الأساتذة والمعطلين التي تعكس عمق الأزمة الاجتماعية ، وكلها تجسّد أوجها متعددة لضمير مجتمعي حيّ لا يمكن تجاهله  لانه يفكر ويتفاعل ويبتكر ، والأهم في هذه الدينامية الجديدة هو أن الاحتجاج، سواء في الشارع أو المدرج، لم يعد فقط فعل غضب، بل أصبح أيضًا قوة اقتراحية  يجب التعامل معها بذكاء وجرأة وتفاعل ايجابي يستحضر  أن الملاعب اصبحت فضاءات للتعبير الرمزي ، وهو مايستوجب خلق آليات دائمة للإنصات المؤسساتي لمطالب الشباب ، ودعم التعبير الفني والمدني 

، و إدماج التربية على المواطنة وحرية التعبير  في المدرسة والإعلام.

والخلاصة انه ما بين شعارات الشارع وأناشيد المدرجات، ينبض المغرب العصري بصوت جديد، قد يكون صاخبًا أحيانًا، لكنه في جوهره تعبير جماعي عن مغرب أفضل من حيث التعليم والصحة وكرامة المواطن .

تعليقات

الأكثر مشاهدة

المنوفية : انطلاق أولي فعاليات مبادرة نشر الوعي السياحي والأثري والانتماء الوطني بمدرسة المساعي الثانوية العسكرية بشبين الكوم

مستقبل المستقبل

السفارة التركية بالقاهرة تُجسد التضامن دعم لا محدود للأسر الفلسطينية

" مخاطر المخدرات المصنعة " ندوة بآداب عين شمس

جامعة المنوفية في صدارة الفئة الفضية للجامعات المصرية في الاستبيان المصري للمشاركات الطلابية

رسالة إلى وزير الصحة

(إثراء) يطلق مبادرة الخوص لإعادة ابتكار حرفة متجذرة في تاريخ المملكة

أيهما أهم التربية أم التعليم ؟

مؤسسة زاهي حواس للآثار والتراث تنظم محاضرة حول اكتشاف بوابة مصر الشرقية بشمال سيناء

"عزب" يعلن صدور قرار مجلس الوزراء بتحويل معهد الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية إلى كلية التكنولوجيا الحيوية