هوية المعلومة في ظل استخدام الذكاء الاصطناعي
كتب د.شريف بن محمد الأتربي
يعد بعض التقنيات الحديثة من ميسرات الحياة، فيما يعدها بعض الآخر من منغصات الحياة خاصة مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي وانشغال جميع أفراد الأسرة كل في جهازه وعالمه الخاصة، مما أدى إلى تفكك الكثير من الأسر، وغياب العلاقات الاجتماعية بينهم، بل تعد واحدة من أهم أسباب الطلاق في هذا العصر.
على الجانب الأخر يرى البعض أن التقنية قد سهلت حياة الإنسان ويسرتها للأفضل، فمنذ أُطلقت شبكة الإنترنت والعالم أصبح كقرية صغيرة يعيش أهلها معا ويعملون معا، وأصبحت الحياة بفضلها أكثر سهولة ويسرا. وممن استفادوا من التقنية وتضرروا أيضا المشتغلين في مجال المعلومات؛ فهي من ناحية ساعدت على تبادل المعلومات ونموها بشكل سريع، ومن ناحية أخرى أصبح توثيقها من أصعب ما يواجه هؤلاء في عملهم اليومي خاصة مع ظهور الذكاء الاصطناعي.
في عصر المعلومات والذكاء الاصطناعي، أصبحت البيانات تتدفق بسرعة غير مسبوقة عبر الإنترنت، ومنها عبر شبكات أخرى يتعدد أنواعها واهتماماتها، ومخرجاتها المعلوماتية. أدى ظهور تقنية الذكاء الاصطناعي إلى تحول جذري في صناعة المعلومات وتداولها، فقد زاد حجمها بطريقة مهولة يصعب على أي مكتبي التعامل معها بشكل احترافي. هذه المشكلة لا تتعلق فقط بكم المعلومات؛ ولكن الأهم من ذلك ما يتعلق بتحديد هوية المعلومة، وهذا في حد ذاته مؤشر خطير يؤثر على كيفية فهمنا وتقييمنا للمعلومات التي نتعامل معها يوميًا من حيث صحتها وجودتها.
الهوية هي الخصائص والسمات والمعتقدات والقيم المميزة التي تُعرّف الشخص أو المجموعة، وتشكل تفردهم وإحساسهم بالذات. وكلمة «هوية» منسوبة إلى الضمير «هُوَ».
وهوية المعلومة تشير إلى الخصائص والمميزات التي تميزها عن غيرها، مثل المصدر، التاريخ، والسياق. وفي مجال علم المعلومات، لعبت هوية المعلومة دورا أساسيا في نجاح نتائج الأبحاث والدراسات، فكلما كانت المعلومات موثوقة، زادت احتمالية صحة النتائج لارتكازها على قواعد معرفية دقيقة وصحيحة وذات هوية محددة بدقة.
منذ بدأت عملية التوثيق المرجعي للمعلومة في البحث العلمي، تعددت طرق إثبات هويتها ونسبها إلى صاحبها سواء الأصلي، أو المنقولة عنه. هناك العديد من طرق توثيق المصادر والمراجع في البحث العلمي، وهي معتمدة من جامعات ومراكز أبحاث عالمية. ومن أبرز هذه الطرق: طريقة الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين، المعروفة اختصاراً بـ(APA)، وهي طريقة مستخدمة في أبحاث العلوم الإنسانية والاجتماعية.
هناك أيضا طريقة هارفارد، وهي من أسهل الطرق لتوثيق وكتابة الأبحاث في التخصّصات المختلفة، بالإضافة إلى طريقة توثيق جمعية اللغات الحديثة، المعروفة باختصارها (MLA)، وهي تستخدم أيضاً لتوثيق المصادر والمراجع في الدراسات الإنسانية. كل هذه الطرق تقوم على وجود مصدر للمعلومة، سواء كان هذا المصدر كيانا بشريا أو معنويا، وفي حالة عدم معرفة المؤلف يتم الإشارة إلى ذلك في حقل التوثيق.
مع تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، والذكاء الاصطناعي التوليدي، وزيادة كم المعرفة الناتجة عنها في مختلف المجالات، سواء الطبية، أو التعليم، أو عالم الأعمال؛ أصبح توثيق هذه المعلومات يمثل تحديا كبيرا، حيث لا يمكن توثيقها بالطرق التقليدية المعتادة، ولا بالمعلومات التقليدية المستخدمة.
إن أنظمة الذكاء الاصطناعي تنتج ملايين المعلومات لحظيا معتمدة على خوارزميات معقدة وبيانات ضخمة. هذه المعلومات قد تشمل تحليلات، توصيات، أو حتى محتوى إبداعي. ومع ذلك، فإن طبيعة هذه المعلومات تجعل من الصعب توثيقها بالطريقة التقليدية، حيث تفتقر إلى مصدر واضح أو عملية إنتاج محددة.
من أبرز التحديات التي تواجهها عملية توثيق المعلومات؛ عدم الشفافية. فالشفافية تعد من أكبر التحديات في توثيق المعلومات الناتجة عن الذكاء الاصطناعي. فعمليات التدريب والتعلم التي تمر بها الخوارزميات غالبًا ما تكون غير واضحة، مما يجعل من الصعب تحديد مصدر المعلومات أو كيفية الوصول إليها. كما يمكن أن تحتوي هذه الخوارزميات على تحيزات ناتجة عن البيانات المستخدمة في تدريبها. هذه التحيزات قد تؤثر على النتائج، مما يجعل المعلومات الناتجة غير موثوقة. وبالتالي، يصبح من الصعب توثيق هذه المعلومات بشكل موثوق.
يعد تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي أو التغير المستمر، واحدة من أبرز مشكلات توثيق المعلومات، حيث يؤدي هذا التطور السريع إلى تغير المعلومة أو قدمها بسرعة، وهذا يجعل من الصعب توثيق المعلومات بشكل دائم، حيث يمكن أن تكون المعلومات التي تم توثيقها في فترة زمنية معينة غير صحيحة في فترة أخرى.
كل هذه التحديات تؤدي إلى آثار سلبية على مجتمع المعلومة واستخداماتها، من أبرز هذه التحديات فقدان الثقة فيها. فعندما لا يتم توثيق المعلومات بشكل صحيح، قد يؤدي ذلك إلى فقدان الثقة في المعلومات الناتجة عن الذكاء الاصطناعي، وهذا يمكن أن يؤثر سلبًا على استخدامها في اتخاذ القرارات. كما قد يؤدي عدم توثيقها أيضا إلى اتخاذ قرارات خاطئة أو غير صحيحة في مجالات حساسة مثل الصحة أو التعليم، مما قد يترتب عليه عواقب وخيمة.
إن التوسع في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات يتطلب مواكبة واعية لأسس الحوكمة، ومن أبرزها توثيق المعلومات بشكل دقيق ومنهجي. فعدم توثيق المعلومة المنتَجة عن طريق الذكاء الاصطناعي لا يهدد فقط دقة القرارات وفعالية الأداء، بل يعرّض الجهات لمخاطر قانونية وأخلاقية، ويقوّض ثقة المستفيدين والمجتمع بهذه التقنية، لذا ندعو الجهات القائمة على إصدار معايير توثيق المعلومات إلى تبني آلية واضحة لتوثيق المعلومات الناتجة عن الذكاء الاصطناعي وتدريب المكتبيين والباحثين عليها.
تعليقات
إرسال تعليق