الاقتصاد الصحي ومحاسبة البيئة في السعودية: مسار جديد لتحسين صحة الفرد وصون الموارد

 



بقلم : عاطف بن علي الأسود


في عالم سريع التغير، أصبحت الصحة والبيئة عنصرين مترابطين بشكل لم يكن واضحًا قبل عقود. المملكة العربية السعودية اليوم تقف عند مفترق طرق استراتيجي، حيث لم تعد الصحة مجرد تقديم خدمات علاجية، بل أصبحت استثمارًا طويل الأمد في جودة الحياة والاقتصاد الوطني. ومع بروز مفهوم محاسبة البيئة (Environmental Accounting) وربطه بالاقتصاد الصحي (Health Economics)، تتجلى أمامنا رؤية جديدة تضع الفرد في صميم عملية التنمية، وتؤكد أن المجتمع السليم بيئيًا وصحيًا هو أساس أي اقتصاد مستدام.


هذه المرحلة الجديدة ليست مجرد توجه إداري، بل تمثل إعادة صياغة للعلاقة بين الإنسان وموارده الطبيعية، حيث يقيس كل قرار اقتصادي أو صحي أثره المباشر على جودة حياة الأفراد، ويعزز من استدامة المجتمع بأكمله. وبفضل التحليل الدقيق للبيانات والأدلة العلمية، تسعى المملكة إلى بناء نموذج وطني فريد يجمع بين الصحة، البيئة، والاقتصاد في منظومة واحدة متكاملة، لتصبح بذلك مثالًا عالميًا على كيفية تحويل المعرفة البحثية إلى أثر حقيقي على حياة الناس.


*الصحة والبيئة… علاقة اقتصادية لا يمكن تجاهلها*


تشير الدراسات الحديثة إلى أن التدهور البيئي يُعدّ عاملاً رئيسياً في زيادة الأمراض المزمنة. فعندما ترتفع مستويات التلوث، ترتفع تلقائياً أعباء النفقات الصحية، ويزداد الضغط على المستشفيات. وهنا يظهر بوضوح الدور الاستراتيجي لمحاسبة البيئة، التي تتيح قياس أثر الانبعاثات والتلوث على تكلفة العلاج والوقاية، وتساعد في بناء سياسات مالية وصحية أكثر دقة.


فالبيئة الصحية لا تقل أهمية عن التطور الطبي نفسه. وفي كل مرة يتم فيها تحسين جودة الهواء أو إدارة النفايات أو تنظيم الأنشطة الصناعية، فإن المجتمع يربح سنوات صحية إضافية، بينما تخفف الدولة من الأعباء المالية المرتبطة بالمرض. وهذا ينسجم مع أحد المفاهيم الأساسية في الاقتصاد الصحي وهو Cost-effectiveness، أي القدرة على تحقيق أكبر منفعة صحية بأقل تكلفة ممكنة.


*السعودية… خطوة جريئة نحو نموذج متكامل*


في المملكة، بات واضحاً أن التحول الصحي لم يعد مجرد خطة تطويرية، بل أصبح استراتيجية دولة تسعى إلى خلق نظام صحي مستدام يعتمد على الوقاية، والتقنيات الحديثة، وتحسين تجربة المريض. ويدعم هذا التوجه الربط بين القطاع الصحي والقطاع البيئي، لأن أي تحسن في البيئة ينعكس بصورة مباشرة على صحة الفرد وعلى معدلات الإنتاجية في المجتمع.


إن إدخال أدوات التحليل الاقتصادي في تقييم القرارات الصحية يمنح متخذي القرار القدرة على رؤية الصورة كاملة:

كم يكلف المرض؟

وكم تكلف الوقاية؟

وما هو الأثر المالي لتدهور البيئة أو لتحسينها؟


وهنا يصبح الربط بين الصحة والبيئة ليس خياراً فكرياً، بل قراراً اقتصادياً يحدد مستقبل الموارد، خصوصاً في ظل التحديات العالمية المتسارعة.


*مرحلة جديدة… عنوانها الاستدامة*


إن التكامل بين الاقتصاد الصحي ومحاسبة البيئة في السعودية يفتح أفقاً جديداً لمرحلة أكثر نضجاً في الإدارة الصحية، حيث تتقاطع فيها مفاهيم مثل Sustainability و Health Outcomes و Resource Optimization، لتشكّل نهجاً وطنياً يضمن سلامة الفرد وكفاءة النظام الصحي في آن واحد.


وبما أن المملكة تستثمر اليوم بقوة في حماية البيئة، وفي تطوير نظم الرعاية الصحية، فإنها ترسم مساراً جديداً يجمع بين المعرفة العلمية والإدارة الاقتصادية الرشيدة، ويؤسس لبيئة معيشية أكثر صحة للأجيال القادمة.


إن المستقبل الصحي للمملكة يكتسب اليوم شكلاً جديداً، يعتمد على رؤية بعيدة المدى تضع الإنسان في المقدمة، وتضع البيئة والاقتصاد في خدمة رفاهيته. وهذا هو التحول الحقيقي الذي يميز المرحلة الحالية ويجعلها نقطة انطلاق نحو نموذج سعودي فريد في الاستدامة الصحية.

——————————

عاطف بن علي الأسود

– المملكة العربية السعودية – المنطقة الشرقية – القطيف

– دراسات عليا في الاقتصاد الصحي – جامعة شيفيلد – المملكة المتحدة

جوال: 00966503833695

📧 Email: sir.atif@hotmail.com

𝕏 Twitter/X: @alaswadatif

تعليقات

الأكثر مشاهدة

المشروعات القوميه فى الجمهورية الجديدة بين النظريه و التطبيق

مستشار أمن قومي : المال السياسي خيانة بصوت مسموع

لهذه الأسباب حكم الإدارية العليا لن يعيد التعليم المفتوح أو غيره مرة أخرى

الأستاذ علي بن محمد الشمراني يحتفل بزواج أبنه " رائد " في الدمام

المنوفية:«الوعي الوطني والابتكار الرقمي» يتجلى في سبك الضحاك بالباجور

أبو ريدة: المغرب منافسنا الأول في أمم إفريقيا.. واستقلال كامل للجنة الحكام وتوسيع قاعدة اكتشاف المواهب

وزير التعليم العالي يبحث سبل التعاون مع هيئة التعاون الدولي اليابانية (جايكا)بحضور الدكتور. هانى هلال الأمين العام للشراكه المصريه اليابانيه

الدكتور عبدالله السيهاني يستقبل رئيسة جمعية التطوع ويشيد بالمبادرات التي تقدمها الجمعية

الشبكة العربية للإبداع والابتكار تُقِرّ عقد مؤتمر البحرين للابتكار أواخر يناير القادم